الغايات الثلاثة للتعرف على الذات (شرقية، غربية، واسلامية)
Oct 04, 2022
{وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات : 21]
الكثير من الثقافات تدعو للتبصر في النفس والتعرف عليها وعلى قدراتها وإمكانياتها لكن الغاية من هذا التبصر انقسمت إلى ثلاث أنواع:
الغاية الأولى:
- الاهتمام في معرفة الذات والتبصر فيها واكتشاف قدراتها وترويضها من أجل القيام بأمور خارقة خارجة عن العادة ويدخل فيها السحر والشعودة.
الغاية الثانية:
- التبصر في الذات واكتشافها والتعرف عليها من أجل تعظيمها وتبجيلها والوقوع في عشقها وعبادتها ومن ثم وضعها موضع الإله.
الغاية الثالثة:
- التبصر في الذات واكتشتفها والتعرف عليها لا من أجل تسخير طاقات خارقة شيطانية (الغاية الأولى) ولا من أجل تعظيم الذات وتبجيلها (الغاية الثانية) وإنما من أجل معرفة الخالق.
فعندما تقرأ كتاب أو تسمع لمحاضر يتكلم عن رياضات روحية وعادات تساعد في ترويض الذات والتعرف عليها عليك أن تكون منتبه وواعي أن الغاية من معرفة الذات وترويضها التى يتحدث عنها هذا المؤلف أو المدرب ستكون واحده من ثلاثة:
- غاية لتسخير طاقات خفية (سحر وشعوذة) منتشرة في الثقافة الغربية
- غاية لتطهير الذات والارتقاء بها لمستوى الإله (الوحده مع كل شيء) منتشرة في الثقافة الشرقية
- غاية للتعرف على خالق هذه الذات (العقيدة السليمة)
لماذا التبصر في النفس ومعرفة الذات يؤدي إلى معرفة الخالق؟
{وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات : 21]
لأنه عندما تتعرف على ذاتك وتعرف مكامن قوتها وقدرتها ومكامن إبداعها وتفردها، ستؤدي بك تلك المعرفة إلى اليقين بخالق هذه النفس القادر المبدع المتفرد.
وعندما تتبصر في ذاتك وتعي مكامن ضعفها وقصورها ومكامن عجزها ومحدوديتها، ستؤدي بك تلك المعرفة إلى استشعار ضعفك واليقين بالخالق القوي اللامحدود.
فالهدف من التبصر في الذات واكتشاف قدراتها هو اكتشاف خالقها واليقين به والعبودية له ومن ثم معرفة رسالتها كي تُأدي دورها في عمارة الأرض، والعمارة تعني التطوير والتنمية لشتى المجالات.
فبذلك تؤدي الذات كامل دورها الذي يتكون من شقين:
- عبادة/عبودية (مناسك عبادية) {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56]
- عمارة/خلافة الأرض (دور ورسالة مجتمعية) {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 30]
هل عمارة الأرض عبادة؟ أو تغني عن العبادة؟
البعض من المهتمين في مجال الوعي وتطوير الذات تأثر بالنظرة الغربية لمعنى الدور والرسالة واكتفى بها واعتبرها الوسيلة لعبادة الله وهذا الشيء غير صحيح، فالغاية القصوى من وجودك هي العبادة + العمارة
- فالعبادة من دون عمارة (تجعلك زاهد أُخروي لا ينتفع البشر من زهدك)
- والعمارة من دون عبادة (تجعلك مادي دُنيوي لا تنتفع من عمارتك في آخرتك)
وقد ذم الله سبحانه وتعالي الأقوام السابقة التى عمّرت الأرض وكانت أقوام كافرة
{۞ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود : 61]
وقوله تعالي:
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم : 9]
فالنجاح الدنوي في عمارة الأرض وعيش دورك كخليفة غير كافي ولا يعتبر عبادة بحد ذاته أو يغني عن العبادة، وإنما يريد منك الله العبادة والعمارة، ولا يغنى أحدهما عن الآخر.
هل القدرات البشرية غير محدودة؟
من مساوؤ وأضرار التنمية البشرية أنها تدعو وتميل إلى تعظيم قدرات الذات وجعلها في منزلة الإله القادر على فعل كل شيء وأي شيء، لكن النظرة القرآنية للقدرات البشرية تخبرنا أن الإنسان لديه قدرات ولكن جميع هذه القدرات بإذن من الله وهي رزق وتفضل ومنة من الله، وأن منشأ هذه القدرات ليس ذات الإنسان ومشيئته الحرة وإنما منشأها ذات الله القدير العزيز وبمشيئة منه
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا} [الكهف : 23]
{إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا} [الكهف : 24]
فالانسان لديه قدرات كامنة ولديه إرادة ومشيئة ولكن هذه القدرات والمشيئة لها مقدار وحدود (سعة) وتخضع للإرادة والمشيئة الربانية، فالانسان المُوحد عليه أن يكون متوازن في:
- نظرته وتوقعاته حول نفسه بحيث يقوم بماعليه من دور في التبصر في ذاته واكتشاف قدراتها ورسالتها في الحياة
- وبين الوعي والادراك أن مخرجات سعيه والنتائج التى يحصل عليها والتوقيت الذي تتجلي فيه الرغبات والأهداف خاضعة للمشيئة والإرادة الربانية التى هي أعم وأشمل من وعي ومشيئة هذا الانسان .
اكتشافي من تكوني على أعمق مستوى بحيث:
- تتخلي عن النظرة الدونية للذاتية وبخس حقها (عقلية الضحية)
- تتخلي عن التوقعات الكثيرة نحو الذات وارهاقها (عقلية المثالية)
- معرفة قدراتك الكامنة ومهاراتك الفطرية التى تقومي بها بصورة عفوية
- معرفة قيمك العليا وكينونيتك وكيف تعيشي حياتك من خلالها
- تحديد أهدافك المادية والمعنوية والسعي لتحقيقها بما يتناسب مع قيمك ومهاراتك الفطرية
- توظيف قدراتك الكامنة لعيش رسالتك وهدفك الأسمى في الحياة
مريم الخواجه
كوتش لقيادة الذات الحقيقية