أيهما أبلغ في المعنى الصمت أم الكلمات؟
Apr 01, 2023أساليب التواصل البشري بين التعبير اللفظي والتعبير الصامت
نحن نتبادل الكلمات والحروف والعبارات كوسائل للتعبير عن المعنى وكأدوات لكشف كوامن النفوس، ونتصور أن الحروف يمكن أن تقوم بذاتها كبدائل للمشاعر، ويمكن أن تدل بصدق على ذواتنا ومكنوناتنا، والحقيقة أن الحروف تحجب ولا تكشف وتضلل ولا تدلل وتشوه ولا توضح وهي أدوات اقتباس أكثر منها أدوات تحديد.
يقول الحبيب لحبيبته أحبك، وهو يقصد بذلك التعبير عن حاله وجدانية خاصة جدا وذاتيه وجديده عليه فلا يجد إلا كلمة هي سبق مستهلك تهرأ من كثرة الاستعمال، ولكنه لا يجد غيرها .. فإذا حاول أن يستخرج من قاموس الحروف ومعجم العبرات كلمات أخرى فإنه لايوجد إلا المجاز والاستعارة والبيان والبديع وضرب الأمثلة.
ولو أنه صمت لكان صمته ابلغ، وللصمت المفعم بالشعور حكم أقوى من حكم الكلمات، وله إشعاع وله قدرته الخاصة على الفعل والتأثير، والمحب الصامت يستطيع أن ينقل لغته وحبه إلى الآخر إذا كان الآخر على نفس المستوى من رهافة الحس وإذا كان هو الآخر قادر على السمع بلا أذن والكلام بلا نطق .
وإنما خلقت الكلمات لتعبر عن أشتات العالم المادي وهي مجرد نظائر لما نرى حولنا من شجر وحصى ورمل وبحر وتلال ووديان وجبال، أما عالمنا الداخلي وسماواتنا الداخلية وسرائرنا العميقة، تقصر دونها الحروف ولا تصورها الكلمات، وكلما كان شعورنا حميما وحبنا متغلغلا في شغاف القلب مالكا ناصية السر ساكنا لب الفؤاد، عجز اللسان وتضعضعت الكلمات وتقطعت العبارات
كتاب الروح والجسد
للدكتور مصطفى محمود