النفس المطمئنة ماهي صفاتها ومالذي يمنع من الوصول لها
Oct 20, 2022
للنفس البشرية ثلاث قوى تجعلها على ثلاث مراتب
قوى النفس
- قوة شهوية
- قوة غضبية
- قوة عقلية
مراتب النفس
1. النفس الأمارة بالسوء
{۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [يوسف : 53]
القوة المحركة لها هي القوة الشهوية، كشهوة المال، شهوة السيادة، شهوة الجنس، شهوة الطعام
2. النفس اللوامة
{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) } [القيامة]
القوة المحركة لها هي القوة الغضبية التى تدفعها للوم والردع والنهي والترهيب والتأنيب
3. النفس المطمئنة
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} [سورة الفجر: 30]
القوة المحركة لها هي القوة العقلية ومحلها القلب
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج : 46]
صفات مراتب النفس:
1. من صفات النفس الأمارة بالسوء أن لها هوى وعادة ما تظلم نفسها، ولديها حب لشهوات الدنيا
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40]
{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل : 44]
نفس أمارة تلح علينا أن نشبع شهواتها، واحتياجاتها الأساسية من مأكل، مشرب، جنس، مال، جمال، شهرة، نجاح، تميز، استمتاع بزينة الحياة الدنيا، كثرة في كل شيء وعدم اكتفاء، فهي لا تشبع، تغار، تقارن، تشتهي، تحب التملك، تحب السيطرة، تفكر في ذاتها، تأخذ دور الضحية وتبرر لنفسها.
قال تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: 14]
2. من صفات النفس اللوامة أنها تنهي عن المعصية وتقوم بالتوبة
فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
[النازعات]
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء : 87]
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص : 16]
نفس لوامة هي الضمير الذي يحاسبك على الرذيلة ويحثك على الفضيلة.
هذه النفس تحاسب وتقييم سلوكك، تهتم بالقيم والأخلاق، تراعي المعايير المجتمعية والضوابط الدينية، لديها الحميّة، تدافع عن الحق، تدعو للعدالة، تراعي الآخرين، تبذل وتعطي، وتخاف من الحساب.
النفس اللوامة تلوم النفس الأمارة بالسوء، وتدعو لتأجيل الاستمتاع وتكتفي بالحلال، تروض شهوات النفس، وتهذب سلوكياتها، تسعى للفضيلة تحتقر الرذيلة، وتشعر بضعفها أمام الشهوات فتبتعد وتتجنب الشبهات.
3. من صفات النفس المطمئنة أنها قانعة راضية مما يجعلها مطمئنة
ومحل الطمئنينة في القلب
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28]
{قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة : 113]
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال : 10]
النفس المطمئنة هي مكمن العقل، قانعة وراضية بما أتاها الله، تصبر عند البلاء، هادئة لا تأثر فيها الشهوات، واثقة بربها، مسلمة أمرها إلى الله مستقرة نفسيا، لا شيء خارجي يؤثر فيها، لا تحاسب نفسها، ولا تسعى لاشباع شهوات النفس، مسالمة، مرتاحة.
حكيمة، تراقب، تعيش في اللحظة، تجاوزت سيطرة الرغبات الجسدية. تجاوزت الصراعات النفسية بين الحق والباطل والآنا والآخر. سامية مطمئنة لكل شيء يحدث لها، واثقة بربها في حالة توكل ورضا وتسليم. بشوشة مسترخية، متصلة بذاتها وبالله، موقنة بالعدالة والرحمة الربانية، معتصمة بالله، مفوضة أمرها له.
في حالة استرخاء ورضا وهدوء. وصلت للحكمة، متوكلة، تخطط لكن تعيش اللحظة، مستقبلة للحياة، لا تصارع من أجل العيش، لا تخاف، لا تخشى الظلم، قنوعة تقبل بما كتب الله لها، تعرف أنها محبوبه عند ربها، تعرف أنها كاملة ومكرمة، تعرف أن لا نقص أو عطب فيها، تعرف قدرها وقدراتها، تعرف قيمتها فلا تحتاج أن تقوم بشيء أو أن تكون شيء أو أن تحصل على شيء كي تضيف قيمة لها.
تعرف مالذي تحت سيطرتها وماهو خارج تحكمها، تعرف أنها غنية قادرة على العطاء المادي والمعنوي، تعرف أنها لا تملك مالديها فكل شيء مصدره من الله، نفس مطمئنة لربها آمنة في حياتها راضية بما قسم الله لها.
تعتبر أن المال والماديات مجرد أدوات للعيش. لا تطلب أو ترغب في أكثر مما تحتاج. موقنة أن أي شيء تحتاحه يصل إليها في الوقت، المناسب بالمقدار المناسب. تؤمن بالمعجزات ولا تعتبرها معجزات وإنما تعتبرها جزء من النظام الكوني الذي فيه كل شيء بمقدار، بمعنى لو احتاجت ألف ستحصل على الألف من حيث لا تحتسب.
تعرف أنها جزء من منظومة عادلة محكمة متكاملة كل شيء فيها بميزان، فهي مطمئنة تعرف أن الكون منظم، ولا توجد فوضى أو صدفة. تعرف أن كل شيء تحتاجه ستحصل عليه في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة والمقدار المناسب.
ليست عجولة، وإنما هادئة صبورة متأملة، مسترخية تعيش في سلام آمنة مع نفسها ومع الآخرين، هذه النفس التى عليك أن تصل وتتصل بها، هي موجودة في داخلك، عليك فقط أن تُفعلُها لتتصل بها، ومن ثم تسلمها إدارة حياتك.
النفس المطمئنة وعلاقتها بالنفس الأمارة والنفس اللوامة:
النفس المطمئنة ترى أن النفس الأمارة بالسوء كالطفل الذي يفكر في نفسه وكيف يشبع احتياجاته ورغباته التى لا تنتهي، فتعطف عليه ولكن لا تسلمه القيادة لأنها تعرف أنه مجرد طفل.
وترى النفس اللوامة أنها الأخ الكبير الذي لديه حس المسؤولية ويرغب في العدالة. لا يأخذ أكثر مما يحتاج، يسعى لإرضاء الآخرين يسعى، لحماية اخوته الصغار يحذرهم ويوبخهم ويتحمل عقبات تصرفاتهم. غير مرتاح وغير سعيد، عصبي ومتوتر طوال الوقت يسعى للمثالية لكن لا يستطيع الوصول إليها، لأن اخوته الصغار النفس الأمارة بالسوء مازالت ترتكب المعاصى، فيأخذها للتوبة فتتوب ثم تذنب وهكذا هو في صراع دائم في تهذيب النفس وكبت رغباتها، متى ما غفل مالت النفس الشهوية لإشباع احتياجاتها، ومتى ما استيقظ ملك زمام الأمور.
لكن النفس المطمئنة تحررت من الصراعات:
صراع الخير والشر
صراع الذنب والتوبة
صراع المثالية والنقص
صراع الرغبة والامتناع
ووصلت لمقام الرضا قال تعالى:
{فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ} [طه : 130]
اطمئنت وعرفت أن الرغبات مهما كانت مغرية ولحوحه هي مجرد رغبة لن تضيف لها شيء ولن تنقص منها شيء.
عرفت أن الاستمرار وراء الرغبات لاشباعها أو الامتناع عنها كلاهما وجهان لعملة واحده كلاهما مقاومة، واحده باتجاه الرغبة والثانية بعيد عن الرغبة.
النفس المطمئنة ترفعت عن ذلك الصراع فلم تعد الرغبات من أكل لذيذ وبلس جميل ومال كثير وجنس ممتع وسفر لمكان مبهر يؤثر فيها. أصبحت قنوعة من دون مقاومة أو حرمان لأنها ترى ماوراء الأشياء.
ترى أن الرغيات لا تنتهي وأن النفس الأمارة بالسوء محدودة النظرة وينحصر تفكيرها في الرغبة ومتى ما يتم اشباع الرغبة يحدث اشباع مؤقت أو ملل وتسعى النفس الشهوية للبحث عن رغبة جديدة، بالتالي الانسان حبيس لرغبات هذه النفس إن سلمها القيادة.
أيضا أدركت النفس المطمئنة أن المجتمع يحث على تأجيج هذه النفس من خلال كثرة المغريات وتنوعها واشعارك بالنقص من دونها وأنه عليك الحصول عليها أو أنك ستخسر أو سيفوتك شيء عظيم.
النفس المطمئنة لا تسلم نفسها لمغريات المجتمع فهي خارج هذا المجتمع الاستهلاكي الذي يضع كل طاقتة وتركيزه على تأجيج الشهوات وتنوع الرغبات واشعارك بالنقص.
النفس المطمئنة سامية فوق كل مغريات المجتمع، هي لا تحرم تفسها من أي شيء مناسب لها، ولكن في نفس الوقت تعرف أن هذا الأمر هو اختيار وليس احتياج هو موجود لها لتستخدمه وليس موجود ليكمل نقص فيها أو يضيف شيء لها.
كيف تصل للنفس المطمئنة؟
يمكنك الوصول للنفس المطمئنة التى في داخلك عندما تدير قوة الشهوة وقوة الغضب بقوة العقل، فتترفع عن النفس الأمارة والنفس اللوامة وترتقي للنفس المطمئنة.
كل رتبة من مراتب النفس الثلاثة لديها عقلية ومنظور وقيم ومعتقدات عندما تشتغل على هذه العقلية والمنظور وتكتسب القيم والمعتقدات المناسبة تستطيع الإرتقاء من رتبة إلى رتبة، فالعملية وعي وتطوير ذاتي.
مريم الخواجه
كوتش لقيادة الذات الحقيقية